وضع داكن
24-12-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 041 ب - اسم الله القدوس 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

  إذا نصرنا من هو أضعف منا ينصرنا الله على من هو أقوى منا:


أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم القدوس، فاسم القدوس يدل على ذات الله إذاً هو من أسماء الذات، ويدل على صفة القدسية إذاً هو من أسماء الصفات، ويدل التقديس كوصف من أفعال الله عز وجل إذاً هو من أسماء الأفعال، هو من أسماء الذات، ومن أسماء الصفات، ومن أسماء الأفعال، فالله جلّ جلاله مُقدس في ذاته، مُنزّه عن كل نقص وعيب لأنه يتصف بكل أنواع الكمال.
الشيء الدقيق جداً وهو يُقَدّس من شاء من خلقه، وفق مراده وحكمته، مرّ معنا سابقاً أن الله ملك مُمَلِّك، واليوم الله مُقدَّس ومُقدِّس، هو مُقدَّس قدوس ومُقدِّس، لذلك ورد في الحديث الصحيح

(( عن عبد الله بن مسعود: إِنَّ اللهَ تعالى لا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُعطونَ الضعيفَ منهم حقَّهُ. ))

[  صحيح الجامع: أخرجه الطبراني ]

يقول عليه الصلاة والسلام:

(( عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. ))

[  صحيح البخاري  ]

أيها الإخوة؛ من الأحاديث الشريفة الصحيحة التي نحن في أمس الحاجة إليها لأننا نعاني من عدو قوي متغطرس، الحديث الشريف:

(( عن أبي الدرداء: إنما تُنصرونَ وتُرزقونَ بضعفائِكم. ))

[ أبو داود: خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد ]

(( وفي رواية أخرى: ابغوني الضَّعيفَ، فإنَّكُم إنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضعفائِكُم. ))

[  صحيح النسائي  ]

هذا الحديث فيه ملمحان، الملمح الأول وفق قوانين الله، فالضعيف حينما ننصره تتماسك الأمة، وتصبح سداً منيعاً لا يُخترق، أما إذا لو تُرك الضعيف ضعيفاً، كان فقيراً، وكان مشرداً، وكان مظلوماً، تتفتت الأمة، وعندئذٍ يسهُل خرقها، هذا الملمح الأول وفق قوانين الله عز وجل.
لكن الملمح الثاني ملمح توحيدي بمعنى أننا إذا نصرنا الضعيف، أطعمناه إذا كان جائعاً، كسوناه إن كان عارياً، أنصفناه إن كان مظلوماً، آويناه إن كان مشرداً، علّمناه إن كان جاهلاً، نحن إذا نصرنا الضعيف، وبإمكاننا أن نهمله، وبإمكاننا أن نسحقه، وبإمكاننا أن نهمشه، وبإمكاننا ألا نلتفت إليه، نحن إذا نصرنا الضعيف، وبالإمكان أن نهمله، يكافئنا الله مكافأة من جنس عملنا، ينصرنا على من هو أقوى منا، إذا نصرْنا من هو أضعف منا ينصرنا الله على من هو أقوى منا.
 

من نصَرَ الضعفاء كافأه الله مكافأة من جنس عمله:


لذلك: ((إِنَّ اللهَ تعالى لا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُعطونَ الضعيفَ منهم حقَّهُ)) لما أسلم ملك الغساسنة جَبَلة فرح به سيدنا عمر، أثناء طوافه حول الكعبة بدوي من فزارة داس طرف ردائه، فالتفت نحوه الملك جَبَلة وضربه ضربة هشمت أنفه، فذهب إلى عمر هذا الأعرابي الفقير الذي هو من دهماء الناس وسوقتهم، شكا جَبَلة إلى عمر بن الخطاب، استدعاه عمر، شاعر معاصر صاغ هذا الحوار شعراً: قال عمر: أصحيح ما ادّعى هذا الفزاري الجريح؟ فقال جَبَلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي، قال عمر: أرضِ الفتى لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يُهْشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك-صُعق-قال: كيف ذاك يا أمير؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ قال عمر: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، فقال جَبَلة: كان وهماً ما جرى في خلَدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، فقال عمر: عالم نبنيه كل صدع فيه يُداوى، وأعزّ الناس بالصعلوك تساوى، ((إِنَّ اللهَ تعالى لا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُعطونَ الضعيفَ منهم حقَّهُ)) ، ((إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)) هؤلاء الفقراء، هؤلاء المساكين، هؤلاء الضِّعاف، هؤلاء الذين لا يُصغي إليهم أحد، إذا نصرتهم، إذا أنصفتهم، إذا أطعمتهم، إذا كسوتهم، إذا عالجتهم صحياً، إذا آويتهم في بيت، يكافئك الله مكافأة من جنس عملك، فينصرك على من هو أقوى منك.
 

القدوس من تقدّست عن الحاجات ذاته وتنزهت عن الآفات صفاته:


أيها الإخوة؛ سيدنا سلمان الفارسي يقول: إن الأرض لا تُقدِّس أحداً، وإنما يُقدِّس الإنسان عمله، أي أنت مُقدس لا لشيء بعيد عنك، لشيء منك، مُقدس إذا كنت مستقيماً، مُقدس إذا كنت نظيفاً، مُقدس إذا كنت طاهراً، مُقدس إذا كان باطنك كظاهرك وسريرتك كعلانيتك.
لذلك قالوا في تعريف اسم القدوس: من تقدّست عن الحاجات ذاته، لا يحتاج أحداً، يحتاجه كل شيء في كل شيء، أما هو قدوس، تنزهت عن الحاجات ذاته، وتنزهت عن الآفات صفاته، والقدوس من تَقدَّس عن مكان يحويه، وعن زمان يبليه، نحن نكون في مكان، ومضي الزمان يستهلكنا.
سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، الزمان يبلينا، ومن أدق تعريفات الإنسان أنه بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، بل ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
فالقدوس من تقدّس عن مكان يحويه، وعن زمان يُبليه، وهو عزيز لا يرقى إلى تصوره وهم، مهما خطر في بالك عن الله فالله بخلاف ذلك، مهما خطر في بالك عن الله فهو بخلاف ذلك، ولا يطمع في تقديره فَهْم، لا يعرف الله إلا الله، ولا تنبسط في ملكه يد، لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد.
 

أغبى الأغبياء من لا يدخل الله في حساباته:


لذلك كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، هذه الكلمات في هذه الصياغة تريح قلب المؤمن حينما يعلم أن كل شيء وقع سمح الله به، لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، وحينما تمضي الأيام تنكشف للمؤمن حكمة أفعال الله عز وجل، لذلك التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد ألا ترى إلا يد الله تعمل، القدوس الآن المعنى الدقيق المتعلق بنا، القدوس من قدّس نفوس الأبرار عن المعاصي، هو قدوس، ويُقَدِّس المؤمنين، أي يطهرهم، القدوس من قدّس نفوس الأبرار عن المعاصي، وأخذ الأشرار بالنواصي.

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

[ سورة البروج ]

أي إنسان لا يدخل حساب الله في حساباته يُعَدّ من أغبى الأغبياء، لأن الإنسان في قبضة الله، وفي ثانية واحدة يكون في حال ويصبح في حال، من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

(( عن عبد الله بن عمر: اللهم إني أعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفجأَةِ نِقمتِك وجميعِ سخَطِك. ))

[ صحيح الأدب المفرد  ]

لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لهذا قال تعالى: 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

[ سورة الشعراء ]

ما القلب السليم؟ هو القلب الذي قدّسه الله.
 

أعظم عطاء تناله من الله أن تلقاه بقلب سليم:


أنت حينما تُقبِل على الله يُقدِّس قلبك، وأعظم عطاء تناله من الله أن تلقاه بقلب سليم، والقلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، طوبى لمن وسِعته السنة ولم تستهوه البدعة، القلب السليم هو القلب الذي لا يُصَدّق خبراً يتناقض مع وحي الله، القلب السليم هو القلب الذي لا يُحكِّم غير شرع الله، القلب السليم هو القلب الذي لا يعبد إلا الله، لذلك هناك قلب يلامس السماء رفعة، وهناك قلب يلامس الحضيض ضعة، هناك قلب يكبر ويكبر، ولا نرى كِبَره فيتضاءل أمامه كل كبير، وهناك قلب يصغر ويصغر ولا نرى صِغَره فيتعاظم عليه كل حقير، العوام تقول: إنسان كبير، أي عفو، أي يُحب معالي الأمور، يكره سفسافها ودنيها.
 

علة وجود الإنسان في الدنيا عبادة الله وطاعته:


القدوس من قدّس قلوب أوليائه عن السكون إلى المألوفات، ملايين مملينة جاءت الحياة، كبُرت، تزوجت، أنجبت، وماتت، ولم تفعل شيئاً، رقم سهل، ملايين مملينة، كن رقماً صعباً، أتى الله بك إلى الدنيا لتكون شيئاً مذكوراً، في درس الوتر ورد حديث دقيق جداً

(( عن علي ابن أبي طالب: إِن الله وِتْر يُحِبُّ الوِتْرَ. ))

[  صحيح البخاري  ]

يُحبّ التفوق،

(( عن أبي هريرة: إنكم لن تَسَعُوا الناسَ بأموالِكم فسَعُوهم ببسطِ الوجْهِ وحُسْنِ الخُلُقِ.))

[ تخريج الإحياء للعراقي: خلاصة حكم المحدث: بعض طرق البزار رجاله ثقات ]

كن متميزاً، كن متفوقاً، كن طموحاً، كن رقماً صعباً، أدِّ لأمتك شيئاً، احمل همّ أمتك، اخرج من ذاتك، القدوس من قدّس قلوب أوليائه عن السكون إلى المألوفات، أي أكلنا، وشربنا، ونمنا، وسهرنا، وألقينا بعض الطُّرَف، وهكذا كل يوم لا يوجد هم، ولا يوجد رسالة، ولا يوجد هدف، ولا يعرف الإنسان لماذا خلقه الله، يقول لك: بالكاد نعيش، هذا كلام العوام، معك رسالة، أنت مخلوق لمعرفة الله، علة وجودك أن تعبد الله.

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[ سورة الذاريات ]

والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية.
 

آخر ورقة رابحة بيد الشيطان أن يغريك بعمل لم تُخلق له:


القدوس من قدّس قلوب العابدين عن دنس المخالفات، واتباع الشهوات، من الأدعية المأثورة: اللهم لا تقطعنا عنك بقواطع الذنوب، ولا بقبائح العيوب، العيب القبيح يقطع عن الله، والذنب يحجب عن الله، القدوس من قدّس قلوب الزاهدين عن حبّ الدنيا.
أيها الإخوة؛ الشيطان يوسوس للإنسان أن يكفر، فإذا رآه على إيمان وسوس له أن يُشرك، فإذا رآه على توحيد وسوس له أن يرتكب الكبيرة، فإذا رآه على طاعة وسوس له بالصغائر، فإذا رآه على ورع بقي معه ورقتان رابحتان، الأولى بالتحريش بين المؤمنين، هذه الخصومات، وهذا الحسد، تراشق التهم بين المؤمنين، هذه ورقة رابحة بيد الشيطان، فإن لم يُفلح بقيت معه ورقة رابحة أخيرة أن يُغريه بالمباحات، يصرف وقته في تزيين حياته إلى درجة غير معقولة، ثم يُفَاجأ بالموت، آخر ورقة رابحة بيد الشيطان أن يغريك بعمل لم تُخلق له.
 

القدوس من قدّس قلوب الزاهدين عن حبّ الدنيا:


إذاً القدوس من قدّس قلوب الزاهدين عن حبّ الدنيا.
أيها الإخوة الكرام؛ لا يحزن قارئ القرآن، لأنه يقرأ قوله تعالى:

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾

[  سورة طه  ]

يقرأ قوله تعالى:

﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾

[ سورة البقرة ]

يقرأ قوله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل  ]

لا يحزن، لا يحزن قارئ القرآن إذا قرأ قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾

[ سورة الحج  ]

لا يحزن قارئ القرآن إذا قرأ قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)﴾

[ سورة فصلت  ]

 

عدم استواء قارئ القرآن مع الفاسق والعاصي:


إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟ لا يحزن قارئ القرآن وهو يقرأ قوله تعالى:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾

[ سورة السجدة  ]

لا يحزن قارئ القرآن وهو يقرأ قوله تعالى:

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾

[ سورة القلم  ]

لا يحزن قارئ القرآن وهو يقرأ قوله تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

لا يحزن قارئ القرآن وهو يقرأ قوله تعالى:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

[  سورة القصص ]

 

لا خسارة مع الطاعة ولا ربح مع المعصية:


أيها الإخوة الكرام؛ علاقتنا بهذا الاسم من عرف هذا الاسم القدوس طهّر نفسه عن متابعة الشهوات، طبعاً التي لا تُرضي الله، لأنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالإسلام لا يوجد حرمان، لكن يوجد طهر، ويوجد عفة، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، والذي يؤكد هذه الحقيقة:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

[ سورة القصص ]

عند علماء الأصول المعنى المخالف، المعنى العكسي، أي أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، اشتهى المرأة فتزوج، لا شيء عليه يبارك الله له بها وبه، اشتهى المال فعمل عملاً شريفاً، كسب المال الحلال، من عرف هذا الاسم القدوس طهّر نفسه عن متابعة الشهوات، وطهّر ماله عن الحرام.
والله زرت والد صديقي، قال لي: أنا يا عم عمري ست وتسعون سنة، قلت له: ما شاء الله! قال لي: أجريت الأمس تحليلات كاملة كانت كلها طبيعية، قال لي: والله لا أعرف الحرام بحياتي، يقصد حرام المال، وحرام النساء، قال لي: لا أعرف الحرام بحياتي.
وكان هناك عالم جليل بلغ السادسة والتسعين، منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع كان إذا سُئل: يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله إياها؟! يقول: يا بني! حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
حينما كرّمت بلدتنا الطيبة علماء القرآن الكريم قبل سنوات، هم قريبون من عشرة، وكلهم فوق التسعين، من عاش تقياً عاش قوياً.
 

شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس:


من عرف اسم القدوس طهّر نفسه عن متابعة الشهوات، وطهّر ماله عن الحرام والشبهات، وطهّر وقته عن دنس المخالفات،

(( عن الحسين بن علي بن أبي طالب: إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. ))

[  صحيح الجامع: خلاصة حكم المحدث: صحيح ]

وطهّر قلبه عن مسلك الغفلات، وطهّر روحه عن فتور المساكنات، ومن عرف اسم القدوس لا يتذلل لقوي، ولا لغني، لأنه من جلس إلى قوي أو غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، ومن عرف اسم القدوس لا يُبالي بما فقده بعدما وجده، لا يبالي بما فقده من الدنيا بعدما وجد الله، لذلك ورد أن سيدنا الصديق لم يندم على شيء فاته من الدنيا قط، أي تُعرَض عليه أرض لا يشتريها، يزهد فيها، بعد حين يرتفع سعرها مئة ضعف، يبقى كل عمره متحسراً، كل حياته متحسر لمَ لم يشترِ هذه الأرض؟ سيدنا الصديق قال: ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط.
من عرف اسم القدوس لا يتذلل لقوي ولا لغني، ولا يتضعضع أمامهما، لأن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس، ومن عرف اسم القدوس لا يبالي بما فقده بعدما وجده، ولا يرجع قبل الوصول إليه بعدما قصده، أنت تعامل خالق السماوات والأرض:

(( عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، عن جده قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.  ))

[ صحيح مسلم ]

في إقبال الدنيا، وفي إدبارها، في القوة والضعف، في الفقر والغنى، هذا قرار استراتيجي أنك طلبت الله، أقبلت عليه.
 

على كل إنسان أن يُطهر نفسه ويُقدسها عن كل حرام:


لذلك قالوا: اتقِ الله باجتناب المحرمات تكن من التوابين، وتورّع عن اقتحام الشبهات تكن من المتطهرين، وازهد فيما زاد عن قدر الضرورة تنجو من الحساب الطويل، إنسانة دخلت إلى سوق تجاري كبير جداً، قالت: يا إلهي! ما أكثر الحاجات التي لا يحتاجها الإنسان،

(( عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ-وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. ))

[ رواه البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي في "السنن" وقال: حسن غريب ]

وأقبل على خدمة مولاك تنَل الثواب الجزيل، الذي يعنينا من الأسماء الحسنى موقفك من هذا الاسم، الله قدوس هل قدست نفسك؟ هل طهرتها؟ الله قدوس هل أقبلت عليه؟ أخذت منه الطهر والنقاء؟
أيها الإخوة الكرام؛ نحن في أمس الحاجة إلى معرفة أسماء الله الحسنى، لأنها أصل كبير كبير في الدين، بل هي جزء خطير من عقيدة المسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور